حثَّ الإسلام على العدل في معاملة الأولاد وعدم التفرقة بينهم، يتضح ذلك من خلال أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، حيث يقول: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" (رواه البخاري ومسلم)، ويجعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- عدم المفاضلة بين الأولاد سببًا من أسباب دخول الجنة، حيث يقول فيما رواه ابن عباس عنه: "من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة" رواه أبو داود.
لكن التنشئة الأسرية في المجتمع الإسلامي في عصور التخلف تقود إلى التمييز بين الذكور والإناث وتؤسس له، ونادرًا ما بُحث في الأسباب الرئيسية للتمييز بين الجنسين، وإذا ما حدث ذلك فسرعان ما يتم جعل الاختلاف البيولوجي والفيسيولوجي بينهما هو العامل الرئيسي المنتج لعدم المساواة، وللتمييز- اجتماعيًا- بين الذكور والإناث، وما يترتب على ذلك من فروقات تكرَّست عبر الزمن، وأشكال هذا التمييز بين الجنسين عديدة، ومنها عدم المساواة في تحمل المسؤوليات المنزلية.
تيمنًا بالحياة الفاضلة التي عاشها الرسول الكريم إذ ابتدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنفسه بحسن معاملته للنساء وبخاصة أهل بيته، قال- صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرًا"، وبالتأكيد المساواة بين الإخوة، مسؤولية تقع على عاتق الأهل بالدرجة الأولى، وواقع الأمور يشير إلى أن الأهل يتعرضون إلى ضغوط عدة، لاسيما أننا أصبحنا في عصر لم تعد الأسرة وحدها المسؤولة عن تربية النشء، وأن قيمًا دخيلة أخذت طريقها إلى حياتنا، في عصر الاتصالات الواسع الطيف، الذي قد يُغري ولا يفيد، وهو بشكل أو بآخر يُساهم بإعطاء صورة مغلوطة عن طريقة الحياة المُثلى، وظهرت أنماط جديدة من التفكير بعيدة عن حياتنا الإسلامية، ضاعفت مسؤولية رقابة الأهل، ووضعتهم أمام تحديات جديدة تبحث في كل حين عن موازين دقيقة للتعامل مع كلا الجنسين.
وللأسف بعض الشعوب بدأت توجه للفتاة عبارات طنانة، مظهرها السير نحو الحرية، لكنها ليست كذلك. بل هي إعادة الرق للفتاة، إذ جعلتها رقيقة من الداخل وليس من الخارج، وهذا أسوأ أنواع الرقّ، إذ نرى الآن غالب الفتيات تابعات لأزياء وسلوكيات خاصة، وهذا ليس من أصالة هويتنا، وكأن هناك شيئًا مرسومًا للفتاة وهي متجهة نحوه، مثل الفراشة التي تسعَى إلى النور، ولكن الواقع أنه طريق امتهان لها، وطريق سلب حرية المرأة، وكذلك بالنسبة للشاب أيضًا هنالك مظاهر خداعة، تجعلهم في ضلال مبين، وهذا جعل مقاييس كلا الجنسين من الأبناء مختلفة عن مقاييس أهلهم، ما عمق الصراع بين الطرفين إذ نرى الفتاة تسعى وراء الأزياء والأهل يحاربون رغبتها، وكذلك الشبان قد يعجبون بمظاهر الموضة وفي قصة الشعر، ويهتمون بالمظهر بعيدًا عن جوهر الأمور، وهنا تظهر المشكلة للمربيات وللمسؤولات عن الحفاظ على سلامة حياة الأبناء من الغثّ الذي يحيط بهم، عن ماذا نمنعهم؟ وماذا نمنح لهم؟ وكيف نعدل بين الولد والفتاة؟
كيف تكون المساواة؟
يحث الإسلام على المساواة الإنسانية بين الجنسين، إذ خلق الله الرجل والمرأة وجعلهما على قدم المساواة، لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى. ونرى ذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) (من سورة النساء الآية: 1) وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إنما النساء شقائق الرجال " واه أحمد وأبو داود.
كما جاء الإسلام بالمساواة في الواجبات الدينية، وفي الثواب والعقاب، إذ جاء الإسلام للرجل والمرأة معًا، وبالتساوي، فالمرأة متساوية مع الرجل في العبادة وفي حمل رسالة الله تعالى وفي تحقيق المتطلبات الدينية، وفي الثواب والعقاب وتطبيق حدود الله، وجاء ذلك في آيات عديدة ومنها قوله الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ﴾. (سورة التوبة الآية: 71) وكذلك في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾. (سورة آ ل عمران: الآية 195) وفي الآية الكريمة: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ (سورة النساء الآية: 124)
كما حث الإسلام على المساواة في حق التعليم، وحث كل مسلم ومسلمة على طلب العلم، وتوسيع آفاق معرفته، حيث جاء في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر:9) إن للعلم مكانة رفيعة في الإسلام، كما حث الإسلام كل مسلم ومسلمة على طلب العلم، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (رواه البخاري) ولفظ مسلم هنا تعني الذكر والأنثى .
كما أمر الإسلام بالمساواة في الأمور المعاشية، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان" (أي أسيرات) وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له سترًا من النار".
ويؤكد العلماء أنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد في الرعاية والمحبة والاهتمام والهدايا، وأن لا يخصّ الوالدان أحد الأولاد بالعاطفة أو الهدية أو التقبيل ماديًا ومعنويًا، بل يجب المساواة حتى في القبلات على وجنات الصغار، روى النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- أن أباه أعطاه عطية، ولم يعط بقية إخوانه وأراد أن يشهد على تصرفه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فسأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هل أعطيت أولادك مثل هذا؟ قال: لا، فقال عليه الصلاة والسلام: "فاتقوا الله واعدلوا في أولادكم" وفي رواية أخرى قال: "اتشهدني على جور، وإن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم" (رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد) فأراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يعلم الصحابة والمسلمين جميعًا مبدأ تربويًا عظيمًا يترك أعظم الآثار على نفسية الأولاد.
أما تفضيل أحد الأولاد، وتخصيصه بمال أو ميراث أو عطية أو رعاية فإنه من أمراض الجاهلية التي عادت أدراجها إلى المسلمين لتفتت في العضد، وتمزق الشمل، وتقطع الأرحام، وتخلق الحقد والبغضاء والضغينة والعداوة بين أفراد الأسرة الواحدة.
إن التمييز بين الأولاد وتفضيل بعضهم على بعض يؤثر على نفسية الأولاد ويزرع فيهم العقد النفسية ويورث عندهم فساد الأخلاق ويضعهم أمام الانحراف وجهًا لوجه